فضيلة الأخ همام سعيد المراقب العام لجماعة الأخوان المسلمين الأردن
معالي الأخ عبد اللطيف عربيات رئيس مجلس الشورى جماعة الأخوان المسلمين الأردن
الأخوات والأخوة
باسم الله الواحد الأحد الذي نعبده جميعا
إنه لشرف عظيم أن أمنح هذه الفرصة للحديث أمام هذه الكوكبة من الرواد أبناء الوطن الذين ضحوا بالغالي والنفيس للحفاظ على هذا الوطن آمنا مستقرا نتيجة السنن الحميدة التي رسمت سياسات هذه الجماعة على كافة المجالات السياسية والوطنية والاجتماعية ومنها هذه الدعوة الكريمة التي تجمع جميع أبناء الوطن الواحد من كافة المنابت والأصول ومن كافة التوجهات السياسية بمختلف انتماءاتهم الدينية فهذه السنة الحميدة التي عودتنا عليها جماعة الأخوان المسلمين لهي أعظم شاهد على المحبة والأخوة والتعايش المشترك في رحاب هذا الوطن الصغير بمحجمه الكبير برجالاته ومواطنيه.
في هذا اليوم المبارك من هذا الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك شهر التعبد والغفران والرحمة لابد لي من حصر موضوع هذه الكلمة في أهم المسائل التي تقلق الأمة العربية بمسلميها ومسيحييها والتي نعتز بالانتماء لها وجدانا وثقافة فنحن مسيحيي الشرق أحفاد البطريرك صوفرونيوس الذي سلم مدينة القدس سلما إلى الخليفة العادل عمر بن الخطاب والذي بدوره سطر العهدة العمرية ونحن أحفاد الشهداء الذين سقطوا في مدينة القدس نتيجة الغزو الفارسي ودفنوا في مقبرة مأمن الله والذين انتصر لهم القرآن الكريم في سورة الروم والشهداء المسلمين والمسيحيين الذين دفنوا في نفس المقبرة أثناء الغزو الصليبي والتي لا يرعوى المحتل الصهيوني من تجريف هذه المقبرة وتدنيسها وإزالة تاريخها ومعالمها واستبدالها بمعالم مهجنة يهودية تلموذية نعتز بديانتنا كما نعتز بثقافتنا العربية الإسلامية كما نستنكر محاولات الغرب المسيحي المتصهين والذي يصدر لنا منذ القرن الماضي مرتزقة من أصحاب البدع المختلفة والتي تستميل البسطاء من أبناء كنائسنا المشرقية الأصلية ليهجروا تعاليمهم الأصلية وينضموا إلى شعوذاتهم وانحيازاتهم التوراتية إلى التعاليم اليهودية وزرع التعصب والفتنة بين أبناء العروبة والإيمان الواحد واستساغة هدم المسجد الأقصى المبارك والمقدسات الإسلامية والمسيحية وإعادة بناء ما يسمى بالهيكل هذه المسألة التي أرغب في الحديث فيها هي مسألة القدس فهي عندنا أم المسائل فلسنا حيالها فِرَقاً وليس بيننا من يريدها على اسمه وحده. نحن مقدسيون بالانتماء، وبالحب, لا يطمئن لنا إيمان ما دامت القدس في الأسر والقدس مسالة لا يجوز إرجاء الحديث عنها ولا تأجيله فهي قبل كل قضية بيننا وبين الصهاينة الغاصبين لأرض فلسطين.
والقدس شعبها أبناؤها الفلسطينيون الذين سكنوها جيلا فجيلا منذ كانت القدس فلم ينقطعوا عنها ولا عرفوا سواها عاصمة ولا تعرفوا إلى أنفسهم خارج تاريخها. هؤلاء هم من يكابد اليوم عسرا في رزقه أو طردا من بيته أو مهانةً في حياته أو مصادرة لأرضة. وقلقنا معهم وعليهم يدفعنا إلى إعلان موقف واحد من قضيتهم قضيتنا جميعا قضية القدس. في هذا الموقف يتراءى الحل في استعادة السيادة العربية استعادة تعيد وصل القدس بفلسطين وهي منها بمنزلة القلب لا في حل سياسي يقطعها عن جسم القدس وتراثها وهويتها فالمقدسات تستمر حية بالمقدسيين الذين يقيمون فيها عبادة الله في الصلاة والسجود وفي الحج والتبرك وإلا غدت المقدسات متاحف فيما هي بيوت للدعاء.
إن السلام ثمرة العدل لا يقوم سلام ولا يدوم على ظلم وقهر. وأخشى ما نخشاه أن تجمع مصالح الدول فتفرض وضعا يحرم الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف ويحول دون الانسحاب الكامل من مزارع شبعا وهضبة الجولان السورية.
إننا من موقع التزامنا بقضية القدس ندعو مسلمي ومسيحيي العالم أجمع للوقوف إلى جانب الحقوق الفلسطينية المشروعة
كما ندعو الدول العربية والسلطة الوطنية الفلسطينية وحماس وكافة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وكافة أحرار العالم إلى توحيد موقفها من قضية القدس باعتبارها أمانة في أعناق العرب والمؤمنين في العالم كله وإلى أن ترتفع في مسؤولياتها دفاعا عن عروبة القدس والتعددية الدينية فيها إلى مستوى مكانة هذه المدينة المباركة.
وعلى إسرائيل باعتبارها سلطة محتلة أن تكف عن أي إجراء من شأنه إغلاق القدس أمام أبنائها وأبناء الشعب الفلسطيني والمؤمنين كافة وتتوقف عن كل تدبير يؤول إلى تبديل وجه القدس في بشرها وحَجَرها وتقر بحقوق الشعب الفلسطيني فهذه هي أدنى متطلبات السلام والعدل.
لا بد لنا هنا أن نبتعد جزئيا عن السياسة ونتطرق إلى العنصر الإيماني فنحن أبناء الديانات السماوية الإبراهيمية نؤمن أن الإيمان الإبراهيمي هو إيمان التوحيد الخالص وهو إرث يشترك فيه جميع الموحدين ويجعل الرباط الروحي بينهم وبين النبي إبراهيم عليه السلام أقوى من الرابط النَسَبِي الذي تدعي الحركة الصهيونية العالمية أن لها الحق في الانفراد به. ونؤكد أن الرابط الإيماني بين أبناء إبراهيم النَسَبيين لا يتضمن تفضيل فريق منهم على فريق ولا يعطي لأي شعب أو جماعة دينية الحق في التميز ضد الآخرين أو الاستئثار دونهم بما لا شرعية لهم فيه طبقا للشرائع السماوية والقوانين الدولية والمواثيق المعترف بها عبر المستوى الحقوقي الدولي.
وإن القراءة المتكاملة لنصوص التراث اليهودي والمسيحي كما تمثلها نصوص الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد لا تسوّغ الامتياز الإبراهيمي والدعاوى الإستئثارية والإقصائية الصهيونية.
إن الموقف الإسلامي المسيحي المتضامن حول القدس لا يقبل أي نوع من أنواع التمييز بين الناس على أساس الأصول العرقية ولا يقبل من باب أولى أن تعطى فئةٌ دينية نفسها حق اغتصاب أرض الآخرين وحرياتهم وممتلكاتهم بإدعاء وتمييز عرقيين.
إن الإسلام كما نفهمه دين عالمي للبشرية جمعاء وليس دينًا خاصًا لجماعة محدودة من البشر دون غيرها لذلك فإن الحوار والانفتاح على الآخرين واجب على المسلمين لأنه الطريق الذي أرشدنا إليه الله لنشر الدعوة بقوله تعالى (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُو أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُو أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)صدق الله العظيم. كذلك إن الانغلاق على ألذات والانعزال عن الآخرين يتنافيان مع منهج الدعوة الإسلامية بالانفتاح على العالم واقتحام أصقاع الأرض بالحوار والإقناع لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ومن عبادة غير الله إلى عبادة الله الواحد الأحد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تجدون على الرابط التالي هذه الكلمة بالصوت والصورة
http://www.youtube.com/watch?v=cFx7uquzQMU